في هذا الوقت من العام الماضي كنا في غاية التفاؤل. احتفل العالم بعام 2020 بالألعاب النارية وكؤوس الشامبانيا والدعوات والتبريكات. كما هو الحال في بداية كل عام، كانت الآمال بتغييرات إيجابية تنقل حياتنا للأفضل تسكننا. ورغم أن الاحتفالات آنذاك تزامنت مع أخبار عن ظهور فيروس جديد ينتقل بسرعة مخيفة ويُميت بدون رحمة، إلا أنه كان في يوهان الصينية. بُعد المسافات بيننا وبين الصين جعلنا نشعر بأننا في مأمن منه، وبأنه قضية آسيوية لا ناقة لنا فيها ولا جمل. مرت أسابيع قبل أن نفيق في شهر فبراير على حقيقة مخيفة أن الفيروس لا يعترف بالحدود الجغرافيا. فقد انتقل بوحشية إلى إيطاليا ليلمس حياة كل واحد منا. في شهر مارس الماضي، خلال أسبوع الموضة بميلانو، أصابنا الرُعب وهرب معظمنا ونحن نشك ونخاف من أي شخص يقترب منا. فالإصابة، إن حصلت لا قدر الله، قُرب الأهل أفضل بكثير منها في بلاد الغُربة، كما أن أقرب الناس إلينا أصبحوا يشكلون خطرا على صحتنا. ألغيت عروض أزياء في بادرة غير مسبوقة منذ عقود، بل منذ إطلاقها في القرن الماضي، وهو ما كان إيذانا بتغيير جذري في عالم الموضة. لم تفلح كل محاولات الإنقاذ التي قام بها القائمون على هذا القطاع. أفلست شركات وانهارت بيوت أزياء كبيرة، كما تغيرت الكراسي ووجوه المؤثرين عليها.
بالنسبة للمستهلك العادي، لم تعد حقيبة من الجلد الطبيعي، وأحيانا مرصعة بالماس لتخاطب أسواقا في الشرق الأوسط وآسيا، مُغرية. فجأة أصبحت الكمامة أهم اكسسوار لعام 2020. ولأنها تعطي نصف الوجه، أثرت أيضا على مبيعات مستحضرات التجميل وعلى رأسها أحمر الشفاه.
لكن التغيير لم يقتصر على الناحية التجارية، ففيروس كورونا المستجد، أو كوفيد 19، ولد تحديات كثيرة على المستويات الشخصية والمهنية والحياتية أيضا، لم يكن أحد مستعدا لها أو يتصورها، بما في ذلك القوى العظمى. لكن كما كل شيء في الحياة، كان لا بد أن ننظر إلى النصف المملوء من الكاس لنتعايش مع الوضع الجديد. صحيح أن الفيروس له وجه قبيح للغاية، إلا أنه لم يخل من الإيجابيات، حيث تنطبق عليه مقولة "الضربة التي لا تميتني تُقويني". إلى جانب التحديات الاقتصادية والصحية الصعبة التي خلقها، فرض علينا سلوكيات جديدة لم تكن كلها سلبية. على أقل أتاح لنا فرصة التوقف مع النفس ومصادقتها عوض الهرولة وراء أمور جانبية كانت تستنزف قوانا ووقتنا. ما كان في البداية صدمة، أكد أنه كان في صالحنا، مثل العمل من البيت بشكل انفرادي والذي لم يرُق للبعض، إلا أنه بعد مرور الوقت كشف عن إيجابيات كثيرة. كشف لنا أن الحياة أكبر بكثير من تلك التفاصيل الجانبية التي كانت تلتهم حيزا كبيرا من حياتنا يوميا. تعملنا خلال فترة الحجر أن نتخلص من الأفكار السامة التي كانت تُثقلنا وتشدنا إلى الوراء، لأنها فرضت علينا الجلوس مع الذات بصدق، وكانت النتيجة أننا تخلصنا من كل ما هو زائف وزائد وأسعدتنا أشياء بسيطة للغاية. استيقظ الطفل الكامن بداخلنا، ليُذكرنا بكم الآمال البريئة التي كنا نحلم بها لكن طمستها ظروف الحياة اليومية وبعض العلاقات السامة التي شدتنا إلى الوراء عوض أن تدفعنا إلى الأمام. عام 2020 أخذ الكثير لكنه أعطانا ايضا الكثير. فالكأس دائما نصف مملوء وكل سنة ونحن بألف خير
Comments